📁 من موضوعاتنا

الحاكم بأمر الله واللغة القبطية

يقولُ المتطرفون من الشعوبيينَ والطائفيينَ أن العربَ فرضوا لغتهم على الأقباطِ جبرًا وقسرًا بعد الفتح الإسلامي لمصر، لا سيما في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان عام ٨٧ هجرية، وفي عهد الحاكمِ بأمرِ الله الفاطمي ( ٩٩٦ إلى ١٠٢١ ميلادية) أي بعد عهد الوليد بن عبد الملك بما يزيد عن ثلاثة قرونٍ.
الحاكم بأمر الله الفاطمي ومنع استعمال اللغة العربية وفرض اللغة القبطية
الحاكم بأمر الله الفاطمي ومنع استعمال اللغة العربية وفرض اللغة القبطية
وأن اللغة القبطية كانت حية ومزدهرة ولولا أن العرب قتلوها ومحوها لما حدث لها ما حدث.
وبعد أن فندنا ذلك نقليًا وعقليًا في مقالنا كيف انتصرت اللغة العربية على اللغة القبطية؟وذلك بعد أن وضحنا ضعف اللغة القبطية قبل الفتح الإسلامي وأثبتنا أنها كانت لغة ضعيفة ومستضعفة ومهانة؛ لضعف وهوان وذل أصحابها، وأنها كانت في طريقها إلى الموت الأبدي، وبعد أن أثبتنا أسباب ونتائج ضعف اللغة القبطية قبل الفتح الإسلامي وبعده.

الحاكم بأمر الله واللغة القبطية 

نحبُ أن نثيرَ بعضَ النقاطِ العقليةِ التأمليةِ حول إمكانية فرض اللغة العربية على الأقباط في العصور الوسطى، وهذه النقاط تنطبق على إمكانية فرض أي لغة في ذلك العصر؛ حيث قلة التعليم، وانعدام التكنولوجيا، وصعوبة الاتصال، وبدائية المواصلات، وعدم ثبوت قيام العرب بالتطهير العرقي في مصر، فلم يقتلوا الكبار ويربوا الصغار على لغتهم، وعدم ثبوت فرض المسلمين دينهم على أحدٍ في مصر، وبالتالي تعلم لغة الإسلام.
ولأن أكثر الكلام المثار يدور حول أن الحاكم بأمر الله قد فرض العربية على الأقباط، ومنعهم من التحدث بالقبطية، واقتناع الكثيرين بأن ما قام به الوليد بن عبد الملك هو مجرد تبديل العربية باليونانية في الدواوين، وأنه لم يفرض تحدث العربية على أحدٍ، ولأننا فندنا ذلك؛ سنناقش هنا الحديث عن اتهام الحاكم بأمر الله بذلك.وكلامنا هنا سيقتصر على أفكار تأملية حيث نفينا نقليًّا ذلك من خلال كلام القديس الأنبا ساويرس بن المقفع ( توفي وعمر الحاكم بأمر الله كان عامان) في كتابه " سير الآباء البطاركة" وللتفصيل حول ذلك رَ مقالنا كيف انتصرت اللغة العربية على اللغة القبطية؟

حقيقة فرض الحاكم بأمر الله اللغة العربية على الأقباط

إلى من يقولون أن الحاكم بأمر الله قد فرض اللغة العربية على الأقباط ومنع التحدث باللغة القبطية:
- كيف يمكن الجمع بين كلام القديس الأنبا ساويرس بن المقفع- الذي تُوفي ( عام ٩٨٧م) وسن الحاكم بأمر الله عامان ( وُلد ٩٨٥م)*- في كتابه " سير الآباء البطاركة" والذي يقول فيه: " فاستعنت بمن أعلمُ استحقاقهم من الإخوةِ المسيحيينَ وسألتهم مساعدتي على نقلِ ما وجدناه منها ( يعني سير الآباء البطاركة) بالقلمِ القبطي واليوناني إلى القلمِ العربي الذي هو اليومَ معروفٌ عند أهلِ هذا الزمانِ بإقليمِ ديارِ مصر لعدمِ اللسانِ القبطي واليوناني من أكثرهم " وبين كلامكم أن الحاكم بأمر الله قد قضى على القبطية، فإما أنكم كذابون وإما أن أهم مؤرخ قبطي بل ومن أهم شخصيات الكنيسة كذابٌ أشر؟
- أين هو التراث العلمي أو الأدبي أو الديني المكتوب بالقبطية- والذي يدل على حيوية القبطية وحياتها النشطة- قبل وصول الحاكم بأمر الله للسلطة؟
- لا يمكن إجبار شخص بالغ على نسيان لغةٍ ما تعلمها منذ صغره، يمكن أن يتعلم لغات جديدة دون أن ينسى اللغة التي نشأ عليها صغيرًا.
- اللغةُ الرئيسيةُ مكتسبةٌ منذ الطفولةِ المبكرةِ واكتسابها يعني أن الأسرةَ حديثها بهذه اللغةُ تلقائيٌ وحرٌ.
- إذًا وجود القبطية حية وزاهية لعدة قرونٍ بعد الحاكم بأمر الله- كما تدَّعون حيث تقولون أن شامبيلون استعان بمن يعرفها- معنى ذلك أن الحاكم لم يفرض العربية، أو أنهم استعادوا رونقها بعد وفاتهِ، فلماذا لم تستمر حتى الآن وماتت موتًا أبديًا، من بعد الحاكم بأمر الله بقرون؟ إذًا ليس الإجبار سبب موت القبطية.
- إن فرض الحاكم بأمر الله الفاطمي للغة العربية على الأقباط ( يقولون أنهم كانوا أغلبية وقتها وقد أثبتنا أن ذلك غير صحيح) يستوجب أن يوفرَ لهم من يراقبُ عدمَ استخدامهم لها في المنزلِ وفي الشارعِ وفي الحقلِ وفي كل مكانٍ، بمعنى أنه يحتاج عددًا مساويًا لعددِ الأقباطِ لكي يراقبوهم، فهل ذلك ممكنًا لا سيما مع ادعائكم أن المسلمينَ كانوا أقليةً وقتها؟
- لم يكن هناك تعليمًا نظاميًّا ومعممًّا يمكن من خلاله إجبار الأطفال وتعويدهم على تعلم اللغة العربية كما فُعل في بعض مناطق أفريقيا وباق العالم.
- لم تكن هناك وسائل إعلام واتصال حديثة يتم من خلالها تعميم العربية وتسهيل تعليمها.
- لم يتم إجبار أحد على تغيير دينه وبالتالي تعلمه العربية لغة الإسلامِ، وإذا تم إجبار أحد فلماذا لم يُجبر الجميع وبقى لهم أحفاد بالملايين؟ وإذا كان قد عادوا بعد الإجبار فلماذا لم يعد الجميع؟
- لم تجمع المساجد أو الحكام الأطفال الصغار من الأقباط وتغير دينهم وتعلمهم العربية كما فعلت الكنائس في مناطق مختلفة من العالم مستغلة براءة الأطفال وظروف حياتهم من يتمٍ أو فقر أو تشردٍ.
- كم المدةُ الزمنيةُ التي احتاجها الحاكمُ بأمرِ اللهِ للقضاءِ على القبطيةِ كما تدعون؟ لقد حكم الحاكم بأمر الله مصر ٢٥ عامًا ( من ٩٩٦ إلى ١٠٢١م) فهل يمكن القضاء على لغةٍ ما في ٢٥ عامًا؟
- هل كانت اللغة القبطية هشة وضعيفة لدرجةِ أن يُقضى عليها في ٢٥ عامًا بقرارٍ فوقي؟ أين أصحابها وأين دفاعهم عنها؟
- هل نجحَ الحاكمُ في القضاءِ على القبطيةِ؟ وإذا كان نجحَ في ذلكَ فلماذا تقولون أن هناك من كان يتكلمها حتى قرونٍ قريبةٍ؟

اللغة القبطية بعد الحاكم بأمر الله الفاطمي

- وماذا عن موقف الأقباط بعد وفاة الحاكم لماذا لم يحييوا لغتهم- التي من المفترض أنها لم تمت في ٢٥ عامًا؟
- وإذا كان الكبار قد أُجبروا على تعلم العربية في عهد الحاكم بأمر الله فلماذا لم يعلموا قبطيتهم لصغارهم بعد وفاة الحاكم بأمر الله؟
- لماذا لم يدافع الأقباط على لغتهم ودينهم وقدموا الشهداء كما فعلوا في العصر الروماني.
- إن أغلبَ محاولاتِ فرضَ اللغاتِ في مجتمعاتٍ زراعيةٍ لم تنجح بل أغلبَ محاولاتِ فرضُ اللغاتٍ عمومًا فكيف نجحت في مصرَ؟ رَ مقالنا: أسئلة حول موت القبطية وانتصار العربية.

الحاكم بأمر الله واللغة القبطية وأشياء أخرى

يبدو أن ربط الحاكم بأمر الله الفاطمي ببعض الأحاديث والحكايات الغريبة؛ جعل البعض يربط بين الحاكم بامر الله وامور تاريخية خاصة باللغة القبطية.
* مع الجهل والحقد تنسب المواقع الإلكترونية والصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي والكتاب الجهلاء- من فئة بئر السلم- كلامًا منسوبًا للأنبا ساويرس عن الحاكم بأمر الله وعصره، فهل كتب ساويرس بن المقفع- بعد وفاته ( ٩٨٧م)- عن زمن الحاكم بأمر الله بعد توليه السلطة ( ٩٩٦م)؟!!
جمال الغريدي
جمال الغرِّيدي
جمال الغرِّيدي